من المُلاحظ أن “الفوّرة” والحُرقة العربية
على إحتلال فلسطين كان في أوّجة قبل 61 سنة من الآن, الى أن بدأت تبرد مع
الأيام كالنار, تبدأ حارقة جداً لتنتهي رماداً ياس عليه بالأقدام.
عند إحتلال فلسطين كانت ردة الفعل واسعة
جداً على جميع المستويات, الشعبية والسياسية, حيث على المستوى الشعبي شارك
معظم الشعب الفلسطيني في جهادة ضد العدوّ الصهيوني, هذا من جهة, وعلى
المستوى الرسمي, شاركت الجيوش العربية بعدّة حروب مع إسرائيل لمحاولة
إسترداد من تم إحتلالة من أرض فلسطين.
ومرّت الأيام, وكبرت مساحة “دولة إسرائيل”,
من حوّالي 7% من مساحة فلسطين الى أكبر من ذلك بكثير بعد حرب 1967
(النكسة) وغيرها من الحروب, ومع ذلك كان هناك إصرار شعبي ورسمي نسبي على
تحرير فلسطين .
كان التعامُل مع الإسرائيليين منبوذ جداً,
الى درجة أن جميع الدوّل العربية قاطعت مصر حين وقّع أنور السادات معاهدة
كامب ديفيد مع إسرائيل, معلناً بذلك أول حالة تطبيع رسمي عربي مع دولة
إسرائيل, وفي ذلك الحين كانت مصر تجري عكس التيار.
بعد ذلك, بدأ الإهتمام الرسمي العربي بقضية
فلسطين يقل تدريجياً عبر تعدد الأجيال وتغير المصطلحات, فبعد أن كان العرب
يجاهدون لإسترداد فلسطين حسب حدود 1948، صاروا ينادون بفلسطين لغاية حدود
1967 !! وما قبل ذلك “حلال على إسرائيل”, وأن كان مصطلح حدود 1967 غريباً
على مسامعنا, إلا أنه أصبح طبيعياً جداً فيما بعد, فأي شخص يطالب بفلسطين
بحسب حدود 1948, هو بالتأكيد مجنون ومعادي للساميّة ولدولة إسرائيل.
المصيبة الثانية هي القدس, فمنذ أن كنا
أطفالاً ونحن نسمع ياسر عرفات وغيرة من الساسة بطالبون بإقامة دولة
فلسطينية عاصمتها القدس فقط, ولا شئ غير القدس, بعد ذلك صرنا نسمع عن
دوّلة فلسطينية تعيش الى جانب دولة إسرائيل وغيّب ذكر العاصمة بسبب إصرار
إسرائيل على عدم التنازل عن القدس عاصمة “أبدية” لدولة إسرائيل, أما الآن
فالساسة الفلسطينيين وغيرهم من الساسة العرب يطالبون بالقدس عاصمة لدولة
إسرائيل وفلسطين “مناصفة”.. ومن يطالب بغير ذلك سيكون كالمجنون السائر عكس
التيار.
على مستوى الدول العربية, ليس هنالك دولة
عربية اليوم ليس لها علاقات علنية أو سرّية مع إسرائيل, فبعد معاهدات
السلام اتي وقعتها مصر والأردن مع إسرائيل, أصبحت معظم الدوّل على علاقة
مع إسرائيل وإن أختلفت المسميّات, وما وأختفت جميع المصطلحات “الثوّرية”
العربية القديمة كعدو صهيوني وغيرها, لتصبح دوّلة إسرائيل دوّلة ذات
علاقات مع كثير من الدول العربية.
أما على المستوى الشعبي, فهنالك “إنقراض”
للجنسبة الفلسطينية على مدى الـ 61 عاماً الماضية, فهنالك من هاجر الى
مختلف دوّل العالم وبذلك تغيرت جنسيتة ونشأ بعدها جيل لا يدري عن فلسطين
سوا إسمها وما درسة بإختصار بالمدارس, ومع تقدم الأجيال ستذكر فلسطين
سهواً عندما يُسأل أحدهم عن أصولة.
بالإضافة الى التعامل الشعبي مع إسرائيل من
مختلف الدول العربية, فهنالك علاقات تجارية طبيعية بين التجار العرب
والإسرائيليين, فيما كان يعتبر “عاراً” في الماضي.. اما داخل الضفة
الغربية, أي أن الحديث عن وجود إنتفاضة أو إغلاق لمعابر بسبب وجود تفجيرات
أو غيرة قد لا يحبذة معظم فلسطينيي الضفة الغربية, فأي مشكلة مع الجانب
الإسرائيلي كفيلة بقطع أرزاقهم, وبالتالي “بدناش لا إنتفاضة ولا زفت,,
زهكنا, بدنا نعيش” كما تقول سيدة سبعينية.
الخلاصة, الإهتمام بالقضية الفلسطينية سينتهي مع مرور الأجيال إن إستمر الوضع على ماهو عليه الآن, وجميع المؤشرات تدل على ذلك للأسف.